الإرهابيون لايقرأون نجيب محفوظ
عندما بسط الله في رزق والده.. انتقل بأسرته من الجمالية إلي العباسية عام1924.. ولم يكن الفتي نجيب محفوظ قد تجاوزالثانية عشرة من عمره.. غير أن الجمالية بعبق حواريها وأزقتها, وأنماط شخصياتها لم تبرح وجدانه, وتوهج بها خياله, عندما اشتد ساعده, وأبدع أدبا جميلا ونبيلا.
وأضحي نجيب محفوظ حديث الدنيا بأسرها ظهر يوم الخميس14 أكتوبر1988, عندما فاز بجائزة نوبل للأدب.. ورفع راية الثقافة المصرية والعربية فوق القمة الشاهقة لجائزة الموهوبين.. وكان آنذاك في السابعة والسبعين من عمره..
وكانت حرفة الأدب قد أدركت نجيب مبكرا.. فعندما كان في الثالثة ابتدائي, استعار من صديق رواية بوليسية, ولم تنقطع صلته الحميمة بالقراءة في شتي دروبها وألوانها منذ ذلك الحين, بل إنه كان وهو مايزال صغيرا يتصور نفسه كاتبا ومؤلفا ويعيد كتابة مايروق له من روايات.
وفي غضون دراسته الجامعية بقسم الفلسفة استبد به الولع بتاريخ مصر القديمة, وترجم كتابا عن حضارتها, تم نشره عام1932, ثم جنح به الخيال وكتب سلسلة روايات عن التاريخ المصري القديم صور فيها كفاح المصريين ضد جبروت الطغاة, وكان يخطط للمضي قدما في مشروعه التاريخي الإبداعي.. لكنه تحول من أطلال طيبة القديمة نحو القاهرة الجديدة.. وأبدع تحفا روائية وثلاثيته الشهيرة, وهي تفصح عن روائي تطاول قامته المبدعين الكبار.. وتلك كانت نبوءة عباس محمود العقاد عندما آتاه نبأ فوز الروائي الأمريكي شتاينبيك بجائزة نوبل عام1962.. قال: إن محفوظ يضارع شتاينبيك, وقد يفوقه في تصوير شخصياته الأدبية.
وتنم شخصيات نجيب وحبكة رواياته عن عشق مشبوب للحرية والعدل.. وتبدو تجليات هاتين الفكرتين المتلازمتين في مجمل رواياته.. فبدونهما تضطرب المجتمعات اضطرابا كبيرا, وتفترس التعاسة خلق الله..
ابن الجمالية المهموم بخلق الله من المصريين البسطاء والفقراء.. داهمه وهو في الثالثة والثمانين من عمره مساء14 اكتوبر1994 ارهابي وطعنه بسكين في رقبته في محاولة آثمة لاغتياله, بدعوي أنه خرج علي الدين في رواية أولاد حارتنا, واللافت للنظر أن الارهابي اعترف بأنه لم يقرأ روايات نجيب محفوظ.
الارهابيون الذين حاولوا قتل محفوظ.. وضرب اشراقات الثقافة المصرية المستنيرة.. عاثوا منذ أيام في شرم الشيخ دمارا, وفي خلق الله قتلا وترويعا.
ياقتلة الآمنين والمسالمين سنقرأ روايات محفوظ وكتب أئمة الفكر المستنير, ونرفع رايات عبدالله النديم ومحمد عبده والطهطاوي وطه حسين.. ونبني في ظلال الحرية والعدل وطنا مصريا جميلا.. لامكان فيه للخوف أو القهر أو التعصب الدموي..