كذلك حصلت على معلومات كثيرة عن خطوط ما اصطلح على تسميته "خطة الخداع الاستراتيجي" للرئيس الأمريكي جونسون. (جونسون كان يدعم إسرائيل بقوة عندما كان عضوا في مجلس الشيوخ قبل أن يتولى الرئاسة بعد اغتيال الرئيس جون فيتزجيرالد كينيدي. كما كان السيناتور الوحيد الذي اعترض على ضغوط الرئيس دوايت أيزنهاور على إسرائيل للانسحاب من سيناء أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وكان يعتبر ناصر عدوا) ، والوثائق تقول إن بن جوريون قال للرئيس أيزينهاور أنذاك في نوفمبر 56 "إن إسرائيل لم تدخل أرضا مصرية، إنما كانت تقوم بتحرير سيناء (من القوات المصرية) !!! "
خطورة عبد الناصر على الغرب قبل العدوان :
بعد تأميم قناة السويس وبناء السد العالي ، ، و زادت خطرة عبد الناصر على الغرب عندما نجح في عقد أربعة مؤتمرات قمة عالمية منها قمتان عربيتان والقمة الأفريقية وقمة عدم الانحياز وكان الغرب يعتبرها مؤتمرات تهدد مصالحه لأنها تدعو إلى عدم الانحياز والتحرر ورفض النفوذ الأجنبي وكلها سياسات تعارضت مع مشروع جونسون في الوطن العربي قبيل عام 1967 حيث كان يعتبر أمريكا الوريث الوحيد الشرعي "لمخلفات" الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية!
جونسون كان قلقا من عبد الناصر، وكان لايزال يعتبره خطرا على المصالح الأمريكية، لذلك اتفق مع رئيس وزراء إسرائيل أنذاك ليفي أشكول على إطلاق يد إسرائيل في المنطقة للقضاء على عبد الناصر وحماية المصالح الأمريكية ، وكان جونسون أول رئيس أمريكي يعطي السلاح الأمريكي علنا لإسرائيل بعد أن كانت تحصل عليه بطريقة غير مباشرة تحت غطاء شركات من بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
هذا صوت الرئيس الراحل أنور السادات وهو يقول لـ مجلس الشعب المصري إن الرئيس الأمريكي ليندون جونسون كان متآمرا مع إسرائيل في العدوان
العدوان مبيت منذ عام 1964:
مصر لم تبدأ الحرب في عام 67 بل إن أمريكا والاتحاد السوفيتي والأمم المتحدة أخذوا على مصر تعهدات بألا تبدأ الحرب.
وبالفعل تم خداع القيادة المصرية وتطمينها بأن إسرائيل لن تبدأ الحرب ، ولكن كانت هناك خطة مبيتة من عام 1964 لتفوز إسرائيل بضربة إجهاضية تقضي على الطيران المصري وتكون لها الغلبة وكشف عنها النقاب لاحقا في مذكرات أباأيبان و موشي ديان .
قرأت الكثير من الوثائق من بينها رسائل من مسؤولين أمريكيين بالقاهرة للرئيس ليندون جونسون عن العدوان الإسرائيلي. وهذه بعض ما تضمنته خطة جونسون وإسرائيل للخداع الاستراتيجي:
* يوم 28 مايو 1967 ذهب أبا أيبان وزير خارجية إسرائيل لمقابلة جونسون في واشنطن وحصل على الضوء الأخضر بشن الهجوم على مصر بعد أن أطمأن الغرب والروس أن ناصر لن يهاجم إسرائيل وبعد أن حصل على تأكيدات بأن أمريكا لن تفعل مع إسرائيل ما فعله أيزنهاور عام 1956 أثناء العدوان الثلاثي على مصر وتطلب الانسحاب من الأراضي المصرية.
* أولا الرئيس جونسون اتصل برئيس الوزراء السوفيتي كوسيجين وأبلغه أن ناصر ينوي شن هجوم على إسرائيل يوم 29 مايو وطلب منه إبلاغ عبد الناصر بأن أمريكا لن تسمح للطرفين (مصر أو إسرائيل) بشن هجوم على الأخر وضرورة احترام اتفاقيات الهدنة.
(أيقظ السفير الروسي ناصر يوم 29 مايو 67 في الثالثة قرب الفجر وأبلغه الرسالة وحصل على تأكيدات بأن مصر لن تهاجم إسرائيل) ونقل الروس الرسالة إلى واشنطن.
* ثانيا: جونسون طلب من الدبلوماسي البرمي يو ثانت أمين عام الأمم المتحدة آنذاك أن يتوجه للقاهرة للقاء عبد
الناصر ونائبه زكريا محيي الدين ليؤكد لهما أن إسرائيل لن تهاجم ويحصل على تعهد من ناصر بأن مصر لن تهاجم إسرائيل وبذلك أصبح الطريق خاليا أمام إسرائيل لشن الهجوم وهي مطمئنة!
* محمود رياض قال إن مبعوثا أمريكيا (أندرسون) قابله هو والرئيس عبد الناصر ليؤكد لهما أن إسرائيل لن تبدأ الحرب وحصل من ناصر على وعد بأن مصر لن تبدأ بالحرب. (علما بأن جونسون وإسرائيل كانا يخططان للحرب فعلا وينتظران فرصة للتخلص من عبد الناصر).
* جونسون أرسل مبعوثه تشارلز يوست (في 3 يونيو 67 قبل العدوان الإسرائيلي بيومين) ليلتقي مع وزير الخارجيه المصري محمود رياض وسلمه رسالة رسمية يؤكد فيها أنه سيتم اتخاذ إجراء ضد البادئ بالحرب داخل الأمم المتحدة وخارجها، واتفق الاثنان على أن يذهب زكريا محي الدين نائب عبد الناصر إلى واشنطن للتفاوض والوصول إلى تسوية بشأن مضيق تيران على أن يأتي هيوبرت همفري نائب جونسون إلى القاهرة ليجتمع مع عبد الناصر.
* وفي صباح 5 يونيو 1967 كان زكريا محي الدين يتهيأ للسفر إلى واشنطن ولكن في الساعة السابعة والنصف هاجمت الطائرات الحربية الإسرائيلية 11 مطارا مصريا ودمرت 320 مقاتلة مصرية على الأرض في ساعتين فقط وعدد من الطائرات التي تمكنت من الإقلاع بعد قصف المدارج.
المشير وقرار الانسحاب من سيناء:
هذا ما حدث بالضبط حسب رواية وزير الخارجية الراحل محود رياض في الحديث المسجل معي قبل عام من وفاته عام 1992، قال: "إن المشير عبد الحكيم عامر أصدر بتسرع أوامر بانسحاب القوات المصرية من سيناء دون أن يستشير رئيس أركانه الفريق محمد فوزي أو يبلغ الرئيس عبد الناصر بقرار الانسحاب، وعندما صدر قرار المشير، كان الرئيس عبد الناصر في اجتماع مع عبد العزيز بوتفليقة وزير خارجية الجزائر أنذاك (الرئيس الحالي الأن) وكان قد جاء بطائرة خاصة لمصر وطلب منه ناصر أن يأخذ معه طيارين حربيين مصريين إلى الجزائر ليعودوا بمقاتلات جزائرية من طراز ميج ويتوجهوا بها إلى المعركة).
عبد الناصر أبلغ بوتفليقة أن الجيش المصري سيقف عند المضايق بانتظار الميج الجزائرية لتوفر له غطاء جوي يساعد في صد الهجوم الإسرائيلي على سيناء. ولكن قرار عبد الحكيم عامر كان قد سبب فوضى عارمة في صفوف القوات المصرية ولم يتح لها فرصة للقتال بل دفعها إلى انسحاب غير منظم وفوضوي بدون غطاء جوي، وهو ما أدى إلى انفراد إسرائيل بقواتنا من الجو" وقتل أكثر من 15 ألف جندي وضابط مصري برشاشات الطائرات وبالقنابل ومنهم من استشهد تحت جنازير الدبابات الإسرائيلية.
خطة جونسون إسرائيل كانت تستهدف ضرب القومية العربية (العلمانية) التي كانت تهدد السعودية أيضا (نصف قوات مصر كانت في اليمن أنذاك وهذه من أخطاء عبد الناصر الذي كان يهتم بالقومية العربية على حساب الوطنية المصرية وغير اسم مصر إلى الجمهورية العربية المتحدة بعد الاتحاد الفاشل مع سوريا - ناصر كأي زعيم له أخطاء أخرى ولكن ليس هذا مجاله الأن) ، ولمن لا يعرف، كان تحرك الجيش المصري في سيناء أواخر مايو 67 للدفاع عن سوريا بعد أن وردت أنباء بأن إسرائيل حشدت قواتها استعدادا لهجوم على سوريا.
محمود رياض : "كان جونسون وأشكول يخططان لضربة قاصمة لمصر تنتهي بفرض شروط سلام على العرب أجمعين بعد انهيار حكم عبد الناصر ، ولكن عبد الناصر لم ينهار أو يسقط فعندما أعلن تحمل مسئولية ما حدث في 67 وأعلن التنحي، خرجت الشعوب العربية تطالبه بالبقاء في منصبه وتقف وراءه.
وانتم تعرفون ما حدث. .... سلح ناصر الجيش وجهزه ودربه وخاض حرب استنزاف ضروس ضد إسرائيل ووضع خطة "بدر واحد" التي سماها السادات بعد وفاة ناصر بالخطة "بدر 2" بعد إدخال تعديلات عليها، وهي الخطة التي مهدت بنجاح لحرب اكتوبر عام 1973، أما عن القوات العربية في 67 فلم تكن موجودة أصلا تحت قيادة عربية مشتركة حتى تخوض قتالات ضد إسرائيل. فالعرب آنذاك كانوا كاليوم مختلفين ومتآمرين على بعضهم البعض."
وللأسف إعلام "صوت العرب" عام 67 متمثلا في أحمد سعيد سمم بأكاذيبه عقلية الناس حتى أنهم فقدوا الثقة في القيادة بعد أن اكتشفوا فداحة الكارثة التي حلت بمصر بسبب العدوان. ولا زلت أذكر عبارة "غدا نشرب القهوة في تل أبيب!!!" ولا أعرف كيف كانت تأتيهم جرأة على الكذب بهذه الفداحة رغم أنهم كانوا يعلمون أن الأيام ستفضحهم؟ هذا ما أفقد الناس الثقة حتى قامت حرب اكتوبر 1973 ... ورغم ما حققته، إلا أنها لم تستطع أن تنسي الناس مرارة 67.
الإعلام العربي والفخ الإسرائيلي :
والأن بعد أربعين سنة من العدوان، تفرض إسرائيل أجندتها الإعلامية وتنتهز الفرصة (بدعم من فضائيات معينة) لكسر نفوس الشباب العربي، خاصة وأن كل من تطرق إلى "أسباب الهزيمة" في يونيو عام 1967 لم يكن موضوعيا ولا دقيقا في سرد الأحداث والظروف وفي غياب الكشف عن وثائق في الجانب العربي تؤكد أن مصر كانت ضحية لعدوان مبيت ومخطط له جيدا لحماية مصالح غربية في المنطقة وخاصة في السعودية التي كان عبد الناصر يشكل تهديدا لها ، ويكفي أن تشاهد برامج قناة العربية السعودية لتلاحظ أسلوب التشفي في عبد الناصر وتصويره على أنه "البطل الوهمي." دون الإشارة بنزاهة صحفية إلى خلاافات السعودية مع عبد الناصر أنذاك لأن ملوكها كان يرونه خطرا على حكمهم !
أغلب وجهات النظر الأوروبية وبعض الأمريكية المعتدلة كانت تؤكد أن إسرائيل أخطأت حساباتها ولم تكن نصرا لإسرائيل بقدر ما كانت وبالا عليها وأتت بنتائج عكسية على مدى الأربعين سنة الماضية. في حين أن أغلب وجهات النظر العربية التي عرضت لأحداث عام 1967 تحاملت على عبد الناصر ورسخت لفكر الهزيمة في عقول الشباب الحائر الذي لم يعاصرها ولم يعاصر انتصارات أكتوبر العظيمة ، وكل له أجندته الخاصة...
التحليل الموضوعي في جانب كبير من وجهات نظر الغرب يدين إسرائيل بالعدوان ويحملها مسؤولية العنف الذي أعقبه والمستمر حتى الأن، وعدم الاستقرار في المنطقة ، وترى تحليلات أخرى أن العدوان الإسرائيلي كان سببا رئيسيا في نمو الحركات الإسلامية.
بعض التحليلات رأت أن عبد الناصر كان يشكل خطرا على الغرب وكان يتعين التخلص منه لأنه " كان يريد "إلقاء إسرائيل في البحر" كما يتصورالبعض وهو ما أدى إلى التخطيط لمحاولة القضاء عليه وترى هذه التحليلات إن الغرب والأنظمة الملكية العربية شعرت بارتياح كبير " لهزيمة عبد الناصر و القومية العربية ..
أما وجهة النظر العربية (التي عرضتها صحف وفضائيات لها أجندتها) فكلها حملت عبد الناصر مسؤولية "النكسة" وصبت جم غضبها عليه ولم ينصفه أحد وكل ذلك في غياب الكشف عن أي وثائق لتلك الأحداث على الجانب العربي. و للأسف، وقع الكل في فخ الإعلام الإسرائيلي واتبع الأجندة الإعلامية الإسرائيلية التي مهدث لهذه الهوجة الإعلامية في ذكرى الأربعين لعدوان 67!
أفهم أن يحدث ذلك في الغرب لأسباب معروفة، ولكن لماذا في العالم العربي؟
وكيف لم ينتبه الإعلاميون العرب للفخ الإسرائيلي الذي يرسخ فكر الهزيمة في الأجيال الجديدة ويساعده الإعلام السعودي الذي تشفى في عبد الناصر؟
وهنا في الولايات المتحدة، شوهت شبكة التلفزيون العامة الأمريكية كالمعتاد تفاصيل العدوان الإسرائيلي على مصر عام 1967 واعتبرت أن مصر هي المعتدي وليس المعتدي عليها، ناهيك عن تشويه تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. هذا المقال في صحيفة ستار الكندية يتحدث عن التحريف والتشويه الذي قدمه التلفزيون الأمريكي في
فيلم وثائقي عن "حرب الأيام الستة" من نسختين "محلية" و "دولية ..
شاهدث النسخة "المحلية" في أمريكا وبدت وكأنها انتاج إسرائيلي، ثم تصادف أن عرض التلفزيون الكندي النسخة "الدولية" باللغة الفرنسية وبها إضافات لما حدث قبل حرب فلسطين التي دفع فيها الملك فاروق بالجيش المصري للحرب عام 48 وكان عبد الناصر ضابطا فيه وحوصر في الفالوجة. في النسخة "الدولية" مشاهد عن طرد وتشريد
ألاف الفلسطينيين وتغيير معالم القرى الفلسطينية وتهويدها!
ولم تكن هذه المشاهد موجودة بالنسخة "المحلية" وقال لي صديق دبلوماسي أمريكي كلاما مشابها لما جاء في صحيفة ستار وهو أن المسألة تتعلق " بحساسية الموقف للمشاهد الأمريكي والجالية اليهودية التي ترعى الكثير من إعلانات الشبكة وتتبرع لها بسخاء!" ، أليس هذا تغييبا للحقائق يدفع المشاهد الأمريكي إلى تشكيل حكم خاطئ يدفعه إلى كراهية العرب؟
ولعل إعلام اليوم لا يختلف كثيرا عن إعلام 67 ولكن بطريقة أذكى في سرد الأحداث وتغييب العقل وإفساد الذوق العام وممارسة التضليل وفق أجندات سياسية تهمش القضايا الملحة وتحرض على جلد الذات ونبذ العروبة والبكاء على أطلال "المملكة المصرية." وتناسى أن القيمة الحقيقية هي في التعليم والعلم وتكنولوجيا المستقبل لأجيال بحاجة ماسة إلى بوصلة توجهها وتشجعها لا لتشوشها وتزرع اليأس في نفوسها.