العهد المدني
فتن المنافقين
علي أن هذا النصر الميسر شابه من أعمال المنافقين ما عكر صفوه وأنسي المسلمين حلاوته
فقد وردت واردة من الناس تستقي حول ماء "المريسيع" ومعها الخيل و الإبل وتزاحم الدواب علي الشرب وتدافع أحد المهاجرين وكان أجيرا لعمر بن الخطاب مع أحد الأنصار وكان أجيرا لعبد الله بن أبي ووقع بينهما ما أثار الشر والغيظ فصرخ الأنصاري:"يا معشر الأنصار" ، وصرخ المهاجري:"يا معشر المهاجرين" ، فغضب عبد الله بن أبي رأس المنافقين وعنده رهط من قومه فيهم زيد ابن أرقم غلام حدث فقال أوقد فعلوها ؟ قد نافرونا و كاثرونا في بلادنا والله ما عدنا و جلاليب قريش إلا كما قيل "سمن كلبك يأكلك" أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ثم اقبل علي من حضره من قومه فقال لهم:هذا ما فعلتم بأنفسكم حللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم
فسمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان في جمع من أصحابه منهم عمر بن الخطاب الذي أشار بقتل أبن أبي ولكن الرسول قال له كيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه لا ولكن أذن بالرحيل
وأمر الرسول بالرحيل لئلا ينشغل الناس بهذه الفتنة ويجد الشيطان سبيلا إلا قلوبهم وذلك في ساعة لم يكن الرسول يرتحل فيها فارتحل الناس
ومشى عبد الله بن أبي بن سلول إلى رسول الله حين بلغه أن زيداً قد بلغه ما سمع منه فحلف للرسول كذباً أنه ما قال ولا تكلم فقال من حضر ذلك من الأنصار عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال
وسار الرسول فلقيه أسيد بن حضير فسأل النبي والله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح في مثلها فقال له رسول الله أو ما بلغك ما قال صاحبكم؟ قال وأي صاحب يا رسول الله ؟ قال عبد الله بن أبي قال : وما قال ؟ قال الرسول زعم انه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل قال أسيد : فأنت يا رسول الله والله نخرجه منها إن شئت هو والله الذليل وأنت العزيز ثم قال:يا رسول الله أرفق به فوالله لقد جاءنا الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه فإنه يري انك قد استلبته ملكه
ومشى رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناس يومهم حتى أمسى ليلتهم حيث اصبح وصدر اليوم التالي حتى آذتهم الشمس ثم نزل بالناس فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نياماً وإنما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من عبد الله بن أبي وتابع الرسول سيره حتى عاد إلى المدينة
ولم يكن الرسول يصل إليها حتى نزلت سورة المنافقين وفيها قول الله تعالى:{هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَللهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ * يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}-سورة المنافقون الآيات 7-8
فقرأ الرسول علي المؤمنين هذه السورة وفيما فضيحة عبد الله بن أبي وإخوانه من المنافقين وتصديق زيد بن أرقم ـ فظن قوم أن في هذه الآيات القضاء علي ابن أبي وان الرسول لا شك آمر بقتله وبلغ ذلك أبنه عبد الله بن عبد الله بن أبي وكان من اقوى الناس إسلاماً فذهب إلى رسول الله وقال:يا رسول الله إنه بلغني إنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه فإن كنت لابد فاعلا فمرني به فأنا احمل إليك رأسه فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالده مني وإني اخشي أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس فأقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار فقال رسول الله بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا
وقد أدي عفوه عليه السلام عن زعيم المنافقين أن هان أمره وانشق حزبه حتى كان إذا حدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه ويعنفونه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعمر بن الخطاب حين بلغه ذلك من شأنهم:كيف تري يا عمر أما والله لو قتلته يوم قلت أقتله لارعدت له أنف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته فقال عمر:قد والله علمت لأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أعم بركة من أمري